أخبار مصرالمجتمع

دراسة DiDi تكشف تحولاً ديموغرافياً واقتصادياً في العمل المرن في مصر

كتب: التقرير

يشهد سوق العمل المصري تحولات جذرية مدفوعة بالتقدم التكنولوجي وتغير تفضيلات القوى العاملة. في هذا السياق، تبرز منصات العمل المرن كقوة دافعة رئيسية، مقدمة فرص دخل واستقلالية لمختلف شرائح المجتمع.

مؤخرًا، كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة DiDi، إحدى الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا التنقل، عن رؤى عميقة حول طبيعة العمل المرن في مصر، مؤكدة على قبوله الواسع وتأثيره الإيجابي على مختلف الفئات العمرية. هذا التقرير التحليلي سيتناول تفاصيل هذه الدراسة، ويضعها في سياق أوسع لسوق العمل المرن في مصر، مع التركيز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة المتنامية.

تحليل دراسة DiDi: كسر القوالب النمطية للعمل المرن

لطالما ارتبط مفهوم العمل عبر المنصات بفئة الشباب، إلا أن دراسة DiDi الأخيرة في مصر تقدم صورة مغايرة تمامًا، مؤكدة على أن العمل المرن أصبح خيارًا جاذبًا لمختلف الأجيال. تكشف الدراسة، التي شملت بيانات الفترة من 1 يناير إلى 31 مارس 2025، عن توزيع ديموغرافي متنوع للسائقين على منصتها، مما يعكس تحولًا في فهمنا لطبيعة القوى العاملة في الاقتصاد الرقمي [المحتوى المرفق].

تنوع الفئات العمرية: مؤشر على الشمولية

تُظهر الدراسة أن الفئة العمرية بين 25 و 34 عامًا تشكل النسبة الأكبر من مستخدمي DiDi، وهو أمر متوقع نظرًا لكون هذه الفئة هي الأكثر نشاطًا في سوق العمل بشكل عام. ومع ذلك، فإن الأرقام الأكثر إثارة للاهتمام تكمن في الأطراف الأخرى من الطيف العمري:
إقبال الشباب: يشكل السائقون الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا نسبة 20% من إجمالي السائقين. هذه النسبة المرتفعة تشير إلى أن العمل المرن يوفر فرصًا حيوية للطلاب والخريجين الجدد أو من هم في بداية مسيرتهم المهنية، مما يمكنهم من كسب دخل إضافي أو أساسي بمرونة تتناسب مع جداولهم الدراسية أو التزاماتهم الأخرى.
دعم العائلات والقوى العاملة في منتصف العمر: تتراوح أعمار 62% من السائقين بين 25 و 44 عامًا. هذه الفئة تمثل العمود الفقري للعديد من الأسر، ويوفر لهم العمل المرن على منصات مثل DiDi مصدر دخل مستقر ومناسب يدعم احتياجاتهم المعيشية ويمنحهم استقلالية في إدارة وقتهم، وهو ما يبرز أهمية هذا النمط من العمل في دعم الاستقرار الاقتصادي للأسر الشابة والمتوسطة.
نشاط كبار السن: على الرغم من أن 18% من السائقين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا، إلا أن الأداء المذهل يظهر في فئة السائقين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، حيث أكملوا أكثر من ضعف متوسط عدد الرحلات مقارنة بالسائقين الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا.
هذه الإحصائيةتنفي الاعتقاد السائد بأن العمل عبر المنصات يقتصر على الشباب، وتؤكد على أن كبار السن يجدون فيه وسيلة لمواصلة نشاطهم اجتماعيًا واقتصاديًا، مما يعزز من مفهوم الشمولية في سوق العمل المرن.

المرونة والاستقلالية

تؤكد تصريحات محمد حلمي، مدير الشؤون الخارجية في DiDi مصر، على أن: الاعتقاد الشائع بأن العمل عبر المنصات يقتصر على الشباب غير صحيح، وأن جميع الفئات العمرية في مصر تختار طرقًا مرنة للبقاء نشيطين وكسب دخل.
ويتوافق هذا مع النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ويسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للعمل المرن كنموذج مستدام للتوظيف.
تأتي هذه النتائج لتعزز استطلاع رأي سابق أجرته شركة إيبسوس، والذي أظهر أن 82% من السائقين يفضلون DiDi مصر كمصدر للدخل. الأسباب الرئيسية لهذا التفضيل كانت المرونة والاستقلالية (68%)، والرغبة في أن يكونوا رؤساء أنفسهم (51%)، بالإضافة إلى توفير وسيلة فعالة لدعم أسرهم (43%).
هذه الأرقام تؤكد على أن العمل المرن ليس مجرد حل مؤقت، بل هو خيار استراتيجي للكثيرين يسعون لتحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، والتحكم في مسارهم الوظيفي.

العمل المرن والاقتصاد المصري

تُعد مصر من الدول التي تشهد نموًا ملحوظًا في الاقتصاد الرقمي، ومع هذا النمو يتزايد الاهتمام بالعمل المرن والعمل الحر. لم يعد العمل التقليدي هو الشكل الوحيد للتوظيف، خاصة في ظل هيمنة الثورة الرقمية والتكنولوجية.
وأظهرت جائحة كوفيد-19 بشكل خاص الحاجة الملحة إلى نماذج عمل أكثر مرونة، مما دفع الشركات والأفراد على حد سواء إلى تبني هذه الأنماط.

التشريعات والسياسات الداعمة

تدرك الحكومة المصرية أهمية تنظيم سوق العمل المرن ودعمه. ففي مايو 2025، أعلن وزير العمل وممثلو القطاع الخاص عن إطلاق المرصد التنسيقي لمعلومات سوق العمل، بهدف متابعة تنفيذ وتطوير العمل المرن بشكل دوري، وتعزيز قدرات بناء سوق عمل منظم ومرن وشامل.
كما أن هناك تشريعات مثل القانون رقم 14 لسنة 2025 بإصدار قانون العمل، والتي تتناول جوانب مختلفة من العمل المرن، بما في ذلك العمل لبعض الوقت والعمل الحر [4]. هذه الجهود التشريعية والتنظيمية تهدف إلى توفير بيئة عمل آمنة ومنظمة للعاملين في هذا القطاع، وحماية حقوقهم، مما يعزز من جاذبية العمل المرن.

التحديات والفرص

على الرغم من النمو والإيجابيات، يواجه سوق العمل المرن في مصر بعض التحديات، مثل الحاجة إلى مزيد من الوعي بحقوق وواجبات العاملين، وتطوير آليات الضمان الاجتماعي التي تتناسب مع طبيعة هذا النوع من العمل، ومع ذلك، فإن الفرص تفوق التحديات بكثير.
فالعمل المرن يساهم في زيادة الشمول المالي ويتيح فرص دخل لفئات قد تجد صعوبة في الانخراط في سوق العمل التقليدي، مثل ربات البيوت، وكبار السن، والطلاب، والأشخاص ذوي الإعاقة. 
تعزيز ريادة الأعمال: يشجع العمل المرن على روح المبادرة وريادة الأعمال، حيث يمكن للأفراد بناء أعمالهم الخاصة وتقديم خدماتهم بشكل مستقل.
تحسين الإنتاجية والكفاءة: تتيح المرونة للعاملين اختيار الأوقات التي يكونون فيها أكثر إنتاجية، مما ينعكس إيجابًا على جودة العمل والكفاءة العامة.
تخفيف الضغط على سوق العمل التقليدي: يوفر العمل المرن بديلاً للباحثين عن عمل، مما يساهم في تخفيف حدة البطالة وتوفير مصادر دخل متنوعة.

قصص نجاح ملهمة

لا تقتصر أهمية دراسة DiDi على الأرقام والإحصائيات، بل تتجلى في القصص الإنسانية الملهمة التي تبرزها. قصة محاسن السيد، السائقة البالغة من العمر 63 عامًا في القاهرة، هي خير مثال على ذلك. فقد أكملت محاسن أكثر من 2000 رحلة في أقل من عامين، مما يدل على تفانيها وقدرتها على التكيف مع متطلبات العمل المرن.
تعبّر محاسن عن حبها لهذه الوظيفة التي تتيح لها التواصل مع الناس وتوفر لها وسيلة للاستمرار من أجل عائلتها ونفسها. قصتها ليست مجرد حالة فردية، بل هي انعكاس لواقع آلاف المصريين الذين يجدون في العمل المرن فرصة لتحقيق الاستقلالية المالية والشخصية، وتجاوز التحديات العمرية والاجتماعية. إنها قصة عن الشجاعة والتجدد، وكيف يمكن للمنصات الرقمية أن تمكن الأفراد من صنع أثر حقيقي في حياتهم وحياة الآخرين. 

تُظهر دراسة DiDi بوضوح أن العمل المرن عبر المنصات في مصر ليس مجرد اتجاه عابر، بل هو تحول هيكلي في سوق العمل. لقد أصبح مسارًا ثابتًا يجمع بين أجيال متعددة، ويعكس روح الاستقلالية والفخر بالاعتماد على الذات. هذه الظاهرة تستدعي اهتمامًا متزايدًا من صانعي السياسات والباحثين وأصحاب الأعمال على حد سواء.

وتوصي الدراسة ان تعزيز هذا التحول الإيجابي يتطلب عدد من الخطوات هي: 
1.مواصلة دعم الأطر التشريعية والتنظيمية: يجب على الجهات الحكومية مواصلة تطوير القوانين واللوائح التي تحمي حقوق العاملين في الاقتصاد التشاركي وتوفر لهم شبكة أمان اجتماعي مناسبة.
2.توسيع نطاق التوعية: زيادة الوعي بفرص العمل المرن ومزاياه، بالإضافة إلى التحديات المحتملة، لمساعدة الأفراد على اتخاذ قرارات مستنيرة.
3.تشجيع الابتكار في المنصات: دعم المنصات الرقمية لتطوير حلول مبتكرة تلبي احتياجات مختلف الفئات العمرية والاجتماعية، وتوفر بيئة عمل عادلة وشفافة.
4.إجراء المزيد من الدراسات: الحاجة إلى دراسات وبحوث معمقة لفهم أعمق للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للعمل المرن على المدى الطويل، وتحديد أفضل الممارسات لدعمه.
إن الاقتصاد الرقمي، بقيادة منصات مثل DiDi، يعيد تشكيل مستقبل العمل في مصر، مقدمًا نموذجًا أكثر شمولية ومرونة واستدامة. الاستثمار في هذا التحول ودعمه سيساهم في بناء سوق عمل أقوى وأكثر قدرة على التكيف مع تحديات المستقبل.