كتب: التقرير
يقف القطاع العقاري المصري، الذي طالما وُصف بأنه قاطرة الاقتصاد وأكبر مشغّل للأيدي العاملة، على حافة منعطف خطير. فخلف واجهة الأبراج الشاهقة والمشروعات الفاخرة التي تزين العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها، تتشكل ملامح أزمة صامتة تهدد بـ “ركود طويل الأمد” قد يكون أشد وطأة من انفجار فقاعة عقارية تقليدية. الأرقام الرسمية التي تتحدث عن مساهمة القطاع بنسبة 16% في الناتج المحلي الإجمالي تخفي وراءها حقيقة مقلقة: فجوة تتسع يومًا بعد يوم بين أسعار العقارات الخيالية والقدرة الشرائية المنهارة للمواطن العادي.
تصاعد الأسعار يلتهم أحلام الطبقة الوسطى
بنسب تضخم سنوية في أسعار العقارات تصل إلى 35%، تحولت فكرة امتلاك منزل من حلم مشروع إلى رفاهية بعيدة المنال لأغلبية المصريين. هذا الارتفاع الصاروخي لا يعكس نموًا حقيقيًا في الدخل، بل هو نتاج مباشر لارتفاع تكاليف البناء وتوجه معظم المطورين نحو الوحدات الفاخرة ذات هوامش الربح الأعلى. والنتيجة؟ معروض هائل من الفلل والشقق الفاخرة يقابله طلب حقيقي مكبوت وعاجز في شريحة متوسطي ومحدودي الدخل، مما يخلق سوقًا مشوهًا وغير مستدام.
تحذير من “فقاعة صامتة”
يحذر خبراء ومحللون من أن السوق لا يتجه بالضرورة نحو انفجار مفاجئ كما حدث في أسواق عالمية، بل نحو “فقاعة صامتة” أو ركود عميق. هذا السيناريو يعني تراكمًا هائلاً للمخزون غير المباع، وبطئًا قاتلاً في حركة البيع والشراء، مما سيضع شركات التطوير العقاري المتوسطة والصغيرة تحت ضغوط هائلة قد تؤدي إلى تعثرها وإفلاسها. هذا التعثر لن يقتصر على قطاع العقارات وحده، بل سيمتد تأثيره كالدومينو إلى قطاع المقاولات وعشرات الصناعات المرتبطة به، من الأسمنت والحديد إلى الأثاث والتشطيبات، مهددًا ملايين الوظائف.
منظومة التمويل العقاري.. الحلقة الأضعف
في قلب الأزمة تكمن منظومة التمويل العقاري الضعيفة. ففي الوقت الذي تحتاج فيه السوق إلى برامج تمويل مرنة وميسرة لتجسير الفجوة بين الأسعار والدخول، نجد أن الشروط الحالية، وارتفاع أسعار الفائدة، تجعل التمويل العقاري خيارًا غير متاح لغالبيتها العظمى. وبدون حلول تمويلية جذرية، سيظل الطلب الحقيقي خارج المعادلة، وستبقى السوق رهينة للمضاربات وشراء العقارات كـ “مخزن للقيمة” وليس للسكن.
قبل فوات الأوان
إن تفادي هذه الأزمة المحتملة يتطلب تحركًا فوريًا وجريئًا على عدة محاور:
استمرار الوضع الراهن دون تدخل استراتيجي من أصحاب المصالح ومن يهمهم عدم انهيار القطاع العقاري هو مقامرة بمستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد المصري.
فإما أن تبادر الحكومة والمطورون بإصلاحات هيكلية تضمن استدامة النمو وتلبية الطلب الحقيقي، أو أن تترك السوق لمواجهة مصير الركود الذي قد يكلف الاقتصاد والمجتمع ثمناً باهظاً.
الوقت ينفد، والتحدي الآن هو تحويل هذا الخطر الوشيك إلى فرصة لإعادة بناء سوق عقاري أكثر توازنًا وعدالة.