الملح والخل والمواسم الزراعية: ماذا يحدث في الكواليس الخفية لأكبر صناعة غذائية شعبية في مصر؟
في الوقت الذي تبحث فيه مصر عن قطاعات صناعية قادرة على النمو السريع، تظهر صناعة المخللات والطرشي كأحد أكثر القطاعات الشعبية التي تحولت تدريجيًا إلى سوق منتظم له مصانع مرخّصة، وسلاسل توريد واضحة، وقيمة سوقية متزايدة مدفوعة بالاستهلاك المحلي وازدهار التصدير إلى الخليج وإفريقيا.
ورغم أن الصناعة تُعرف بكونها “تقليدية”، فإن تحليل البيانات والمقابلات مع المصنعين يكشف أنها تتحول بسرعة إلى قطاع غذائي واعد، يعتمد على مدخلات إنتاج قابلة للتطوير، مثل الملح والخل والبيكربونات، ويرتبط مباشرة بالمواسم الزراعية لمحاصيل الخيار، الجزر، اللفت، الفلفل، والزيتون.

حجم الصناعة محليًا… أرقام تكشف التحول
تشير تقديرات المصنعين الرسميين وشُعب المواد الغذائية إلى أن حجم سوق المخللات في مصر يتراوح بين 12 – 18 مليار جنيه سنويًا (ما يعادل 250–350 مليون دولار)، بينما يرتفع الرقم إلى ما يقرب من مليار دولار عند احتساب السوق غير الرسمي والتصدير المرتبط بالمطاعم المصرية في الخليج.
ويُقدّر العاملون أن:
-
٨٠٪ من الإنتاج يوجَّه للسوق المحلي
-
٢٠٪ للتصدير، خصوصًا إلى: السعودية – الكويت – الإمارات – ليبيا – السودان – الأردن
الصناعة نفسها تخلق آلاف الوظائف في:
-
الزراعة
-
النقل البري
-
مصانع التعبئة
-
معامل تحليل الجودة
-
التجارة بالجملة والتجزئة
الخامات الأساسية… اقتصاد “ما قبل البرطمان”
1) الملح: حجر الأساس في الصناعة
-
مصر تمتلك واحدًا من أكبر احتياطيات الملح في المنطقة (14–20 مليون طن سنويًا).
-
المصانع تعتمد على ملح التبلور والملح المكرر حسب الجودة المطلوبة.
-
ارتفاع سعر الملح بنسبة 25–40٪ خلال 2024–2025 أثّر على تكاليف الإنتاج، لكنه لم يوقف التوسع.
2) الخل: من منتج منزلي إلى صناعة كيميائية ضخمة
-
70٪ من مصانع الطرشي تعتمد على الخل الصناعي (خل الأسيتك) لثبات الجودة.
-
إنتاج مصر من الخل يتجاوز 200 ألف طن سنويًا.
-
الخل المعبأ يمثل نحو 12–15٪ من تكلفة البرطمان.
3) بيكربونات الصوديوم “عامل القرمشة”
-
المادة المسؤولة عن القوام المقرمش في الخيار والقرنبيط.
-
تُستخدم بنسبة دقيقة لا تتجاوز 0.5٪.
-
مصر تنتج كميات كافية من البيكربونات عبر مصانع الكيماويات الكبرى.
المواسم الزراعية… متغير اقتصادي حساس
الصناعة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بـ مواسم الخضروات
| المحصول | الموسم | تأثيره على الصناعة |
|---|---|---|
| الخيار | مايو – سبتمبر | أكبر مادة خام للصناعة |
| الجزر | نوفمبر – فبراير | مستقر في السعر غالبًا |
| اللفت | الشتاء | عنصر أساسي للطرشي البلدي |
| الفلفل الحار | الصيف | ترتفع أسعاره في موجات الحر |
| الزيتون | سبتمبر – نوفمبر | صناعة منفصلة لكنها مكملة |
ارتفاع سعر أي محصول ينعكس فوريًا على أسعار الطرشي بسبب ضعف قدرة المصانع على التخزين طويل المدى.
التكنولوجيا تدخل المطبخ الشعبي
بدأت مصانع عديدة اعتماد: خطوط تخليل أوتوماتيكية، تحليل ميكروبيولوجي في معامل معتمدة، أجهزة قياس الملوحة والحموضة PH، أنظمة تتبع كود QR لمراقبة الدُفعات الإنتاجية.
كما تشهد السوق دخول لاعبين جدد يستخدمون التعبئة الذكية وتغليف MAP لزيادة العمر التخزيني.
التحديات… الجانب المظلم في الصناعة
رغم النمو، تواجه الصناعة عقبات واضحة:
-
عدم توحيد معايير الجودة.
-
ضعف قدرات التخزين والتبريد الموسمي.
-
ارتفاع أسعار الخضروات خارج المواسم.
-
غياب التمويل لمصانع صغيرة ترغب بالترخيص.
-
منافسة قوية من تركيا والصين في التصدير الخليجي.
هل هي صناعة واعدة فعلًا؟
وفق تحليل الاتجاهات بين 2021–2025:
-
معدل النمو السنوي للصناعة بين 6% – 11%.
-
الطلب الخليجي في ازدياد بسبب وجود جالية مصرية ضخمة.
-
تكلفة دخول السوق منخفضة نسبيًا مقارنة بالصناعات الغذائية الأخرى.
-
الربحية تتراوح من 12% إلى 25% في المصانع المتوسطة.
صناعة الطرشي تُصنف ضمن الصناعات الصغيرة الواعدة ذات العائد السريع، خصوصًا في التصدير والتوسع في التعبئة الحديثة.
فرص الاستثمار
-
إنشاء مصانع عالية الجودة تستهدف الخليج مباشرة.
-
توطين صناعة الملح والخل المخصص للمخللات بجودة أعلى.
-
الاستثمار في التخزين البارد لتجاوز تقلبات مواسم المحاصيل.
-
إطلاق علامات تجارية معتمدة دوليًا (ISO – HACCP).
-
تطوير منتجات “طرشي دايت” قليلة الصوديوم.
-
دخول التجارة الإلكترونية (طرشي معبأ – سلاسل توريد للمطاعم).




