كتب: التقرير
في خطوة تعكس الرؤية الثاقبة لتعزيز استدامة ونمو القطاع العقاري المصري، أكد الدكتور محمد عبد الجواد، الرئيس التنفيذي لشركة فانتدج للتنمية العمرانية [1]، على الأهمية القصوى لإعادة هيكلة منظومة التمويل العقاري في مصر. جاء ذلك خلال مشاركته البارزة في مؤتمر أخبار اليوم العقاري [2]، الذي يُعد منصة حيوية تجمع كبار المطورين العقاريين ومسؤولي الوزارات والهيئات المعنية بالقطاع. تهدف هذه الدعوة إلى تحقيق مزيد من الشمول والمرونة في آليات التمويل، بما يدعم المطورين العقاريين ويوسع فرص تملك السكن للمواطنين، وهو ما يمثل حجر الزاوية في تحقيق الانتعاش المنشود للسوق العقاري.
التمويل المستدام شريان الحياة للتطوير العقاري
في كلمته خلال الجلسة المخصصة لمناقشة أدوات التمويل، شدد الدكتور عبد الجواد على أن “لا يمكن أن يكون هناك تطوير عقاري حقيقي دون تمويل مستدام، مرن، وشامل، يخدم المطور والمشتري على حد سواء.” هذه المقولة تلخص جوهر التحدي والفرصة في آن واحد، حيث أن توفير آليات تمويل فعالة ومتاحة للجميع هو المحرك الأساسي لنمو القطاع العقاري وقدرته على تلبية احتياجات السوق المتزايدة.

تمويل الوحدات تحت الإنشاء: ضرورة ملحة
من أبرز النقاط التي طرحها عبد الجواد كانت الدعوة إلى إعادة تفعيل نظام التمويل العقاري للوحدات تحت الإنشاء [3]، وهو النظام الذي تم إيقافه في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008. وأوضح أن الظروف الحالية للسوق العقاري المصري أصبحت أكثر نضجًا وملائمة لتطبيق هذا النوع من التمويل، مشيرًا إلى أن “قرار إيقاف التمويل تحت الإنشاء كان منطقيًا في ظل ظروف السوق حينها، لكننا اليوم أمام سوق أكثر تنظيمًا ومطورين أكثر التزامًا.”
واقترح عبد الجواد ضوابط ذكية لإعادة تفعيل هذا النظام لضمان نجاحه وتجنب أي مخاطر محتملة، وتشمل هذه الضوابط: الحسابات البنكية الضامنة، وخطط التنفيذ المرحلية، والرقابة الفنية. هذه الإجراءات تهدف إلى بناء جسور الثقة بين جميع الأطراف المعنية، من مطورين وبنوك ومشترين، وتوفير بيئة استثمارية آمنة ومستقرة.
دعائم الثقة والشفافية
لم يغفل عبد الجواد الإشارة إلى أن الإطار التشريعي اللازم لتنظيم التمويل العقاري موجود بالفعل، مستشهدًا بقرار الهيئة العامة للرقابة المالية رقم 57/1 لسنة 2007 [4]، الذي وضع الأسس المنظمة للتمويل العقاري من حيث تقييم العقارات، ونسب التمويل للدخل، ومتطلبات الشفافية. وأكد أن “الإطار التشريعي موجود، وما نحتاجه الآن هو تفعيل فعلي وتطوير آليات التطبيق.” هذا يؤكد على أن التحدي لا يكمن في غياب التشريعات، بل في الحاجة إلى تفعيلها وتطوير آليات تنفيذها بما يتناسب مع التطورات الراهنة في السوق.
وفي سياق متصل، طالب عبد الجواد بتفعيل آليات تصنيف المطورين العقاريين لتمكين البنوك من التمييز بين الشركات وفقًا للملاءة المالية وسجل التنفيذ. وأوضح أن “عودة الثقة بين القطاع المصرفي والمطورين تبدأ بتصنيف واضح وشفاف.” هذا التصنيف من شأنه أن يقلل من المخاطر المحتملة على البنوك، ويشجعها على التوسع في منح التمويل للمطورين الملتزمين وذوي السمعة الجيدة، مما ينعكس إيجابًا على تدفق الاستثمارات في القطاع.
تحديات التمويل وتكاليفه
على الرغم من أن مصر تقدم معدلات فائدة تنافسية عبر مبادرات البنك المركزي تتراوح بين 3% و8%، مع فترات سداد تصل إلى 30 عامًا، إلا أن الدكتور عبد الجواد أشار إلى أن الوصول إلى التمويل لا يزال محدودًا. فنسبة التمويل العقاري لا تتجاوز 3-4% من إجمالي الائتمان المصرفي، على الرغم من أن القطاع العقاري يساهم بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الفجوة الواضحة بين أهمية القطاع العقاري وحجم التمويل الممنوح له تتطلب حلولًا مبتكرة لسدها.
أدوات تمويل بديلة
لمعالجة هذه الفجوة، دعا عبد الجواد إلى تفعيل أدوات تمويل بديلة مثل الصكوك [5]، والصناديق العقارية (REITs) [6]، والتمويل بالمشاركة، إضافة إلى تحفيز البنوك على التوسع في هذا النوع من التمويل. وأكد أن “هناك فجوة واضحة بين أهمية القطاع العقاري وحجم التمويل الممنوح له. نحتاج إلى أدوات بديلة مثل الصكوك، والصناديق العقارية، والتمويل بالمشاركة، إضافة إلى تحفيز البنوك على التوسع في هذا النوع من التمويل.”
واعتبر عبد الجواد أن أدوات مثل الصناديق العقارية والتملك التشاركي يمكن أن تمثل طفرة في تمويل السوق، بشرط أن يتم تفعيلها عمليًا وربطها بمشروعات استثمارية حقيقية. وأشار إلى أن “وجود اشتراطات واضحة من الهيئة العامة للرقابة المالية لتأسيس صناديق الاستثمار العقاري هو تطور إيجابي، لكننا بحاجة إلى تسريع تفعيل هذه الصناديق في السوق وربطها بمشروعات تدر عوائد استثمارية ملموسة.” كما لفت إلى أن البيع التشاركي والتملك الجزئي يمثلان حلولًا ذكية لجذب شريحة جديدة من المستثمرين، خاصة في القطاع السياحي والإداري.
تحدي إثبات الدخل: شمولية التمويل
من التحديات الهامة التي أشار إليها عبد الجواد هي معاناة شريحة كبيرة من المواطنين، خاصة العاملين في القطاع غير الرسمي وأصحاب المهن الحرة، من صعوبة إثبات الدخل، مما يحرمهم من التمويل العقاري. وأوضح أن “آلاف المصريين لا يستطيعون إثبات دخلهم بشكل تقليدي، ما يحرمهم من الحصول على التمويل العقاري. نحتاج إلى تطوير آليات مرنة لتقييم الجدارة الائتمانية، تعتمد على أنماط الإنفاق والسلوك البنكي.” هذا يؤكد على ضرورة تبني نهج أكثر شمولية في تقييم الجدارة الائتمانية، بما يفتح آفاق التمويل لشريحة أوسع من المجتمع.
توحيد الرسوم الحكومية: تبسيط الإجراءات
في ختام كلمته، دعا عبد الجواد إلى توحيد الرسوم والمصروفات الحكومية المرتبطة بإجراءات التطوير العقاري، معتبرًا أن تعدد الجهات وتفاوت الرسوم يمثل عبئًا إضافيًا على المطور والمشتري معًا. هذا التوحيد من شأنه أن يقلل من التكاليف الإجمالية للمشاريع العقارية، ويسهم في تبسيط الإجراءات، مما يعود بالنفع على جميع الأطراف في السوق.
رؤية مستقبلية: تنظيم، ابتكار، وشفافية
اختتم الدكتور محمد عبد الجواد كلمته بتأكيد رؤيته لمستقبل القطاع العقاري، قائلًا: “ما نناقشه اليوم ليس مجرد سياسات، بل ضرورة سوقية. الطلب موجود، ورأس المال متوفر، وما ينقصنا هو الربط بين الأطراف من خلال التنظيم، والابتكار، والشفافية.” هذه الكلمات تلخص خارطة طريق واضحة للنهوض بالقطاع العقاري، ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: التنظيم الفعال، والابتكار في أدوات التمويل، والشفافية الكاملة في جميع التعاملات.